languageFrançais

'شبكات الصدى' و'مجتمع التمويه': 'كلنا مؤثّرون...لكن من المتأثّر؟'

"غرف صدى''...'' فقاعات التصفية''.. ''مجتمع التمويه''..مجتمعات ''الفلاتر''.. ثقافة الظهور..تسللت إلى العلاقات الحميمة.. بهذه المفردات وأكثر يتحدث الدكتور الصادق الحمامي، الأستاذ الجامعي والباحث والكاتب التونسي المتخصص في قضايا الإعلام والاتصال السياسي والتكنولوجيات الرقمية، عن تأثير شبكات التواصل الاجتماعي في مختلف المجتمعات، وفي المجتمع التونسي خصوصا.

إذ اعتبر الحمامي خلال استضافته في برنامج ''واحد من الناس'' أن هذه المنصات، التي كان يُنظر إليها في البداية على أنها أدوات للتحرّر والتحرير، قد تحوّلت اليوم إلى مساحات إستراتيجية تستخدمها جهات فاعلة مختلفة، بما في ذلك قوى السلطة وحتى المنظمات ''الإرهابية''... كما سلّط الضوء على مفهوم "غرف الصدى" و"فقاعات التصفية"، وشرح كيف تقوم الخوارزميات بتخصيص المحتوى وتقسيم المجتمع إلى مجموعات معزولة، وتعزيز ثقافة المظهر والصورة وفكرة ''مجتمع المراقبة''، حيث يراقب الأفراد بعضهم البعض، منتقدا كيفية ارتباط القيمة الاجتماعية الآن بالقيمة الرقمية، وغياب ''ثقافة الرقمنة'' التي تحصّن المجتمع من كل هذه المخاطر..

تطوّر الشبكات الاجتماعية
يفضّل الدكتور حمّامي استخدام مصطلحي "الشبكات الاجتماعية" أو "الميديا الاجتماعية"، عوضا عن مصطلح ''وسائل التواصل الاجتماعي''. ويعتبر أن هذه الشبكات شهدت تاريخيًا تحوّلًا جذريًا في طبيعتها ووظيفتها. ففي بداياتها (حتى حدود 2011) كانت تُعتبر أدوات للتحرّر السياسي والاجتماعي، وآليات لمعارضة النخب، تروّج للحرية وتوسّع من المجال والنقاش العام، تمنح الكلمة للناس العاديين، وتحرّرهم من هيمنة وسائل الإعلام التقليدية. وقد وُصفت الثورات العربية، ومنها الثورة التونسية، بأنها "ثورة الفايسبوك". هذه السردية التحرّرية ''كانت تُروّج لها الشركات الرأسمالية من أجل الترويج لاستخدام الشبكات الاجتماعية''.

بعد 2014، تغيّر الوضع جذريًا وفق ضيفنا، مع بروز تنظيم ''داعش''، حيث أصبحت الشبكات الاجتماعية جزءًا من "العملية الإرهابية" فتُستخدم في التمويل، والتجنيد، وحتى تنفيذ العمليات.. الأمر الذي أدّى إلى تحوّل استراتيجي ودخول "العالم القديم" (الدول، الأحزاب، الشركات) إلى "العالم الجديد"..فأصبحت الشبكات الاجتماعية فضاءً استراتيجيًا، بدلًا من أن تكون مجرد مجال لتحرّر الأفراد والمجموعات.

كما ميّز الدكتور الحمّامي  بين أربع مراحل رئيسية في تطوّر الشبكات الاجتماعية، إلى حدود سنة 2011  تفاعل الناس حول نشاطاتهم الاجتماعية. ثم كانت المرحلة الثورية (حوالي شهر واحد) حين استُخدمت للاحتجاج ضد الأنظمة. تلتها المرحلة السياسية (من 2011 إلى اليوم) إذ أصبح للشبكات الاجتماعية بعد سياسي واضح. ثم كانت المرحلة الجديدة التي في طور التشكّل، خاصة بعد صدور المرسوم 54.

كما تطرّق الحمامي إلى ظهور فاعلين جدد، بدأ ذلك مع المدوّنين (2005–2011)، ثم جاء المؤثرون الذين ينافسون اليوم المثقفين في التأثير، وفق ما أكده.

الأثر على المجتمع
على خلاف ما كان يُعتقد، لم تساهم هذه الشبكات في تقوية الروابط الاجتماعية، بل أدّت إلى "تفكك اجتماعي"، وعزل الأفراد، وفق محدّثنا. إذ أفرزت مفاهيم مثل ''غرف الصدى'' حيث تنغلق الجماعات على نفسها، وترفض الاختلاف. وهي في ذلك شبيهة بـ"الجماهير الهستيرية" التي تحدّثت عنها الفيلسوفة الألمانية حنة أرندت. وأفرزت أيضا ''فقاعات التصفية'' وهي عبارة عن خوارزميات تُظهر للمستخدم عالمًا يشبهه، فينعزل مرتين: عن العالم وعن المختلفين.

في تونس، ساهمت هذه الشبكات في "هدم المشروع الديمقراطي"، وعمّقت الانقسامات ومزّقت النسيج الاجتماعي، حسب تأكيد الحمامي. كما أنتجت "ثقافة جديدة"، منها ثقافة الظهور، والترويج للذات وتمثيلها ذاتيًا. وثقافة الصورة والمظهر، إذ يُحكم على الناس من خلال ملفاتهم الشخصية؛ على غرار  'إنستغرام'' القائم على الصورة أين "نرى أكثر مما نفهم". كما عرّج على ظاهرة ''الفلاتر'' في هذه التطبيقات والشبكات والتي تخلق تمثيلًا زائفًا وتخفي الحقيقة، وهي التي أنشأت وفق تعبيره "مجتمع التمويه".

وخلص في كل ذلك إلى مفارقة أن ''هذه الشبكات التي وُجدت للربط، لكنها تفصل وتخلق حواجز، وتساهم في نشوء مجتمعات وهوويات سائلة  يعمل فيها الفرد  استمرار على تشكيل هويته. كما تسلّلت إلى العلاقات الحميمة (العلاقات العاطفية والصداقة) وأفرزت ثقافة التلصص و"رأسمالية المراقبة" أين تُجمع البيانات لتشكيل الواقع الافتراضي المخصص لكل فرد... وعوض تحرير الفرد، أصبح الجميع يراقب الجميع (عدد اللايكات، الأصدقاء، المشاهدات)، وصار للقيمة الرقمية (followers، likes) وزن اجتماعي، مما يكرّس منطق السوق والرأسمالية، وتحوّلت إلى منصات لسرد الذات إذ صار الناس يسردون حياتهم اليومية، مشاكلهم، وحالاتهم النفسية..

الأثر السياسي
إضافة إلى كل ما ورد، عرّج الدكتور الحمامي على تأثير هذه الشبكات على السلوك السياسي، إذ تحوّلت إلى فضاء استراتيجي للقوى السياسية، وصارت تُستخدم من قبل الأحزاب والدولة للتلاعب بالرأي العام. كما عمّقت تفكك المجتمع والانقسام السياسي، كما صارت تُستعمل كأداة للرقابة والعقاب، ووسيلة لتوجيه الرأي العام وصناعة الوعي السياسي. وقال في هذا السياق ''الأنظمة غير الديمقراطية صارت توظّفها لـ"الاستبداد الرقمي". كما سهّلت التدخل الرقمي الأجنبي (كما في قضايا تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية والفرنسية).

التحديات والحلول 
أكد الدكتور حمّامي على ضرورة إطلاق نقاش عام ومؤسسي حول آثار هذه الشبكات، قائلا ''يجب ترسيخ ثقافة رقمية، وتكوين مواطنين "مستنيرين رقميًا"، قادرين على التمييز بين الأخبار الكاذبة والحقيقية، من خلال التربية الإعلامية والمعلوماتية. يجب أن يكون للمدرسة دور أساسي في تكوين مواطنين رقميين ناقدين، ومن الضروري التفكير في تنظيم الشبكات لا قمعها، لأن المنع ليس حلًا''. 

وأشار الحمّامي إلى "المفارقة الرقمية التونسية": مجتمع مشبع رقميًا في تفاصيل الحياة، لكن مؤسساته متأخرة رقميًا، ولا تفكّر جديًا في التحوّل الرقمي ومآلاته.

أمل الهذيلي